يسعى الإنسان إلى أن يكون صحيح البدن معافى. ولا ريب أن الصحة والعافية من نعم الله تعالى.
يقـول أحـد الكتاب متناولا صحة البدن وحقائق القرآن ومصائب الدنيا: إن صحة البدن وعافيته من أجل وأعظم نعم الله على عباده وهي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة. وصحة الإنسان ليست ملكا له فهو لم يخلق نفسه ولا عضوا من أعضائه، وإنما الصحة أمانة ووديعة أودعه الله إياها فوجب عليه مراعاتها وحفظها وحمايتها وعدم التفريط فيها وتوظيفها في عبادة الله وطاعته.
فغاية الصحة في المجتمعات المادية هي تمتع أفرادها بصحة تمكنهم من الاستمتاع بملذات الحياة الدنيوية هي مجتمعات لا ترجو لله وقارا ولا تأمل في حياة أخرى.
أما في المجتمع المؤمن فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا عادوا مريضا أن يدعوا (اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدوا ويمشي لك إلى الصلاة) فمتى استرد العبد صحته واصل رسالته التي خلق لأجلها فحياة المؤمن وصحته لربه ودينه (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
ومع أن الصحة شيء مستحب ومفضل أن يكون المرء صحيحا وأن يسعى إلى أن يكون الآخرون أصحاء ، إلا أن فقدان المرء صحته لا يغض من مكانته في المجتمع المسلم ، ولا يصح أن يلام الشخص لأنه معتل، فقد رفع الله الحرج عن المريض (ولا على المريض حرج)، وإذا كان المرض يسقط عن المريض التكاليف الشرعية فيما عدا الصلاة - مادام واعيا - ويحط عنه خطاياه وذنوبه، بل يكتب له من الأعمال الصالحة ما كان يعمل وهو صحيح فمن باب أولى أن يرفع عنه الأعباء الدنيوية.
ومن الحقائق القرآنية أن مصائب الدنيا ما كان منها في النفس أو المال هي بسبب المعاصي التي اقترفها المرء، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن المرضى أقل قدرا عند الله من الأصحاء، لأن الله إذا أحب عبدا ابتلاه، وأشد الناس بلاء الأنبياء والرسل ثم الأمثل فالأمثل.
ويجب ألا يفهم من ذلك أن يتمنى المسلم المرض والابتلاء، فالمؤمن مأمور أن يسأل الله العافية، فما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من العافية، وإذا رأى المؤمن مريضا حمد الله أن عافاه مما ابتلاه به، كما أنه مأمور بطلب الشفاء وقصد العلاج إذا اعتلت صحته.
ولقد تطرفت الكنيسة في أوروبا في بعض عصور القرون الوسطى فحسبت أن العلاج ضد مشيئة الله الذي أراد المرض وقدره.
وقد استغرب بعض الصحابة أن يأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالعلاج. إلا أن الإسلام وهو دين وسط بين الإفراط والتفريط يعتبر طلب العلاج من قدر الله كما أن المرض من قدر الله. الأمر بعد ذلك متروك للمريض فجاز له ترك المعالجة والتداوي والصبر على المرض إن شاء مادام المرض لا يودي بحياته ولا يمنعه من أداء التكاليف الشرعية والتكسب ولا يضر بغيره من أفراد المجتمع وإنما يكون الصبر على الأمراض المستعصية.
فقد ورد في السنة أن علاج بعض الأمراض قد لا يعلم في عصر من العصور فالله قد خلق لكل داء دواء علمه من علم وجهله من جهل.