يعتبر يوم "كينغ مينغ" من أهم السنة عند الصينيين، إذ يحتفل به كل واحد من الأعياد الاكثر شعبية في الصين
ويصادف اليوم الخامس عشر من فترة القمر الثالث. فعلى امتداد آلاف السنين، ألِفَ الصينيون، رجالا ونساء،
شيوخا وأطفالا أن يزوروا قبور لأجدادهم من اجل تنظيفها وتقديم العطايا من خلال عملية مميزة تتمثل في حرق
الملابس أو الأوراق النقدية المزورة أو قطع الذهب المزور. ألِفَ الصينيون أن يتجولوا خلال هذا اليوم في الهواء الطلق.
يعرف يو "كينغ مينغ" ، كذلك، تحت اسم "عيد الأموات" وعيد "الوجبات الباردة" أو "هانشي" باللغة الصينية.
وتعود حكاية هذا العيد إلى ما يزيد عن ألفي سنة خلت. أي الى فترة حكم إمارة "جين" ، التي كان يحكمها الملك "كسياو"
وقد كان متوقعا أن يرث الابن الأكبر "شين شينغ" العرش بعد موت أبيه، لكن الملك كان له رأي آخر، إذ كان ينوي حرمان
ابنه الاكبر من الحكم وتسليم مشعل الامبراطورية بعده لابن آخر أنجبه من عشيقته المفضلة. وتمهيدا لتحقيق هذا الهدف،
قام بقتل "شين شينغ" وبدأ يتأهب للتخطيط لقتل ابنه الثاني الأصغر "شونغ إر". إلا أن الأخير فطن لما كان ينتظره من مصير مأساوي كما أخيه، فقرر الفرار وترك مملكة أبيه.
وعلى امتداد 19 سنه، ظل "شونغ إر" يعيش حياة لتسكع مرفوقا بقلة من الأشخاص المخلصين له.
وذات يوم من أيام التسكع والبؤس، بلغ الجوع من ابن الملك مبلغا أشرف على الموت. فبادر أخلص مرافقيه،
وهو "جي زيتوي" إلى تقطيع قطعة لحم من ذراعه وطبخها وقدمها لابن الملك لينقذه بذلم من موت محقق.
مرت الأيام قبل أن ينجح "شونغ إر" في استعادة عرشه، فأصبح ، إذن، زعيما لإمارة "جين".
فقام مباشرة بعد ذلك بمكافأة جميع الذين أخلصوا إليه خلال فترة منفاه من خلال منحهم شرف النبالة، لكنه نسي أن
يكافئ رفيقه "جي زيتوي" الذي أنقده من الموت. أصيب الأخير بخيبة أمل كبيرة. مرت أيام قبل
أن يتذكر "شونغ إر" تضحية "جي زيتوي" فبعث بوزرائه يبحثون عنه حتى عثروا عليه، فانتقل إليه الملك،
ليقجم له شخصيا اعتذاره ويطلب منه العودة إلى حاشيته. بيد أن "زيتوي" المخلص رفض ورحل رفقة أمه
عن الملك وحاشيته إلى الجبال، حيث لا أحد يستطيع الوصول إليهما.
أمام هذا القرار اقترح أفراد حاشية الملك على هذا الأخير أن يشعل النار في أشجار الجبال التي يُفترض أن "زيتوي"
وأمه اختبأ فيها لإرغلمهما على ترك الجبال والعودة إلى القصر. اقتنع الملك بالاقتراح، فأمر بإضرام النار في أشجار الجبال.
ظلت النار مشتعلة ثلاثة أيام بلياليها إلى ان ظهر "جي زيتوي" وقد التهمته النيران حيا. بدا الرجل واقفا مستندا إلى شجرة
صفصاف حاملا أمه المحروقة على كتفيه.
تأثر الملك لهذا المشهد تأثرا عميقا واعتصر قلبه الندم والحزن فأمر ببناء معبد تأبيدا لذكرى أخلص خدامه.
كما قرر أن يُمنع اشعال النار في يوم ذكرى وفاة "جين زيتوي" ليضطر الناس إلى تناول وجبات الطعام باردة
خلال ذلك اليوم، وبدأوا يزورون قبر "جين زيتوي" في تاريخ الذكرى وتقديم العطايا إليه.
ولم تُستبدل عادة الطعام البارد أو "هانشي" بعادة "كينغ مينغ" إلا بعد مرور ثلاث مائة عام على المأساة،
لتصبح عادة "كينغمينغ" إلى يومنا هذا أهم مناسبة لجميع الصينيين لتقديم الهدايا والعطايا لأجدادهم وليس هذا اليوم
يوما للذكرى فحسب، بل يُحتفل فيه، كذلك، بحلول فصل الربيع.