بسم الله الرحمن الرحيم
سينتهي رمضان بعد بضعة أيام فللننظر من سيودعه
من يودع رمضان؟
رمضان شهر الخير والبركة، كل شيء يُسَرّ بمجيئه ويستبشر، كما يحزن الكون لفراقه، والمؤمنون أشد الناس ألما لفراق حبيبهم، لما يجدون فيه من حلاوة الطاعة وجمال العبادة وأنس المناجاة ولذة التضرع إلى الله سبحانه.
لكنني سأذكر أشياء تتألم لفراق رمضان ربما أكثر منا؟ ربما ، من يدري؟
فالمساجد تتألم لفراق رمضان حيث يهجرها الرمضانيون، ولا يبقى فيها إلا الربانيون. كما أَنِس المسجد برواده ممن هجروه في بقية الأيام، وإذا دخلوه في الأسبوع مرة عدوا أنفسهم من أهل المساجد.
والمصاحف تتألم لفراق رمضان، فكم تبللت بدموع التالين، وطربت لتحبير المجودين، وها هو رمضان يمضي ليثقلها الغبار فلا ينفض عنها إلا في رمضان القادم، لتتحقق في الرمضانيين - إلا ما رحم ربي - شكوى الرسول {يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}.
والفقراء يبكون لفراق رمضان ويتألمون، فكم من مخمصة زالت عنهم، كم طردت عنهم الجوع صدقات المحسنين، وتفطير الطائمين، كم واستهم رحمة المتراحمين، لكنهم ما إن تغرب شمس رمضان حتى يعودوا طاويين على ما حصلوه في رمضان من حسنات المتصدقين لتكفيهم ربما أياما معدودات ثم لا يلتفت لهم بعد ذلك أحد إلا ما رحم ربي.
العيون تتألم لفراق رمضان، فكم غسلتها دموع التوبة، وكم اكتحلت بالنظر في كتاب الله الكريم، وكم تعففت عن النظر إلى ما حرم الله حفاظاً على أجر الصيام من أن يضيع بسبب نظرة عابرة تتبعها حسرات وزفرات .
والأذن تتألم لفراق رمضان فكم صانها عن غيبة ونميمة، وكم حفظها من أغنية تجعل القلوب سقيمة.
واليد تتألم لفراق رمضان فكم بُسطت بالعطاء والصدقات، وكم ارتفعت تدعو رب الأرض والسماوات، ثم ها هي تستعد لجفوة مع الدعاء وانقباض عن العطاء إلا ما رحم ربي.
والمعدة تتألم لفراق رمضان، فقد صح الجسم مع الصوم، وابتعد عن التخمة وكثرة الأكل، فارتاحت المعدة، واستقرت وجددت نشاطها، لكنها ما إن يهل هلال العيد حتى يرهقها الناس بكثرة الطعام وتنويعه فإذا بها يصيبها التلبك والغثيان .
هذه نماذج من حزن أجزاء الجسم على فراق الشهر
لكن الكون كله يحزن على رمضان
ها هو الفضاء الذي ملأته البرامج التلفزيونية الإيمانية الرمضانية يتألم لغياب كثير من برامج أهل الخير عنه إلا ما رحم ربي، فقد انطلقت الشياطين من أصفادها ووجدت جنودها من شياطين الإنس تنتظر التعليمات لتبدأ من جديد رحلة الإفساد.
فلكم أنت جميل يا رمضان.
اللهم اجبر كسرنا على فراق شهرنا
اللهم أعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة
اللهم اجعلنا في ختامه من عتقائك من النار
وحتى تكون السنة كلها مثل رمضان
لا بد لنا من أن نحافظ على شيء من الصيام، ستة أيام من شوال، الأيام البيض، الاثنين والخميس...
لا بد لنا من ورد يومي وجلسة دورية مع القرآن مهما كان المقدار قليلا في عدد الصفحات فأحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ.
لا بد أن نحافظ على الصلاة مع الجماعة في المساجد وأن نجتهد في ذلك.
لا بد أن يكون لكلٍ منا سهم في ميادين البر والإحسان نتصدق ولو بقدر يسير ونجتهد أن تكون لنا صدقة يومية .
لا بد لنا أن نحافظ على اكتسبناه في رمضان من حميد العادات وكريم الخصال وجميل الأعمال .
{ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}
والحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و خاتم الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم .